شيء غريب يَشُدّنِي لأكتُب، طاقة خفية تستحوذ على قلبي، تُقَلِّب بداخله مائة شعور في آن واحد، لا أكاد أعلَم أهو سعيد أم يدعي الرضا لتستمر الرحلة، ربما يكون مُمْتَنًّا لعامٍ مضى وتطورنا فيه كثيرًا، ربما أصبحنا أكثر نضجًا، ربما تحررنا من مخاوِفنا، ربما باتت الأشياء التي كُنتُ أُحِبّهَا بعيدةً عني ولكنّي أشعر أنني أقترب لما هو ملائم أكثر، ربما أدرس ما هو يلائم قدراتي العقلية أكثر، ربما يصطف حولي أصدقائي الأوفياء. . بينما من رحلوا كانوا مجرد أنصاف بشر، ذوي الظهور المشروط، وأنا لا أُحِب الأشياء المشروطة، أُحِبّ من يُحِبّنِي لذاتي.. طوال العام وليس وقتًا محددًا، رُبما تزعجني فكرة فقداني للأشخاص ولكن لم يعد لَدَيَّ طاقة لأخسرها، بات كل شيء يزعجني، فأصبحتُ أتجنب معظم الناس والأشياء. .
مازلتُ أكتُب الآن، ومازالت تلك الطاقة الخفية تُحَرِّكنِي..
لا أعلم ما هي الخطط القادمة، لستُ أدري ماذا أريد أن أفعل في السنوات القادمة، كلها احتمالات مطروحة، خشيتُ أن أضع أحلامًا محددة فَأَضِلّ طريقها، وأعود مجددًا للحزن على ما فاتني، فقررتُ أن أجعلها مجرد احتمالات، إن أراد الله إتمامها فستكون، وإن لم يُرد. . فلا داعي للحزن، ولا داعي لفقدان الثبات، فهي من الأساس مجرد احتمال لم نُثبِت نجاحه..
ربما مازالت تؤرقني فكرة أنني لن أجد من أشاركه الحياة، الجميع يملكون عقولا رائعة. . ولكن، لا أحد منهم يناسب عقلي، تسير أفكارنا في دروب مختلفة. . فها أنا في انتظار من ستُطوى الأرضِ ليخرج منها، وأعلم أن أفكاري السوداوية لا مكان لها سوى برأسي، وأن خالق الكون وجامع الناسِ في يوم لا ريب فيه لم ينساني وقد خلق لي مَنْ يتقبلني كما أنا وأتقبله كما هو وننسى سَوِيًّا خيبات الحياة المتكررة، ونعين أنفسنا على مواصلة المسير.. ربما ليس الآن، وليس غدًا، ولكن يومًا ما..
ربما أيضًا تؤرقني دراستي، ولسان حالي يقول: إيه الغبية دي باربي ما هي هانت أهي. .
وربما أنا أرى أن الأيام تمرُ ببطيء، وأنني سوف أبلغ الخمسين قبل أن تلتقط يداي تلك الورقة التي تُثبِت أسباب تدهور حالتي الصحية، عفوًا أقصد أنها تثبت حصولي على ذلك البكالوريوس العجيب من تلك الكلية البائسة. .
ربما أنا مخطئة، فمنذ أسبوعين وربما أقل. . كنتُ متخوفة وحذِرة، أمسك بيد أُمي، ونسير جنبًا إلى جنب في شارع أبو الفداء، حتى وصلنا إلى المبنى ذاته، وكنت أُفلت يد أمي بصعوبة بالغة، كادت امش تشعر أنها تصطحب طفلتها إلي الروضة، وليس ابنتها الأكبر في أول يوم دراسي جامعي. . أشعُر وكأنه أمس.. وتدور الأيام وأشعر أنني هنا منذ قرن، فمتى تمضي الأيام؟
الكثير من المشاعر المتداخلة يحويها قلبي، وتُصاحبها أفكار صخبه يحملها عقلي.. ولكنهما في النهاية يشعروني كم تملؤني الحياةُ وكم يغمرني اللهُ بالعطاء..
#رنا_هشام.