الأحد، 5 يناير 2020

كَم عُمرَك؟

تخيل معي أن أعمارُنا لا تُقاس بالأيام والدقائق والساعات وكل تِلك المقاييس الزمنية المتعارَف عليها .. فقد يعيشُها الإنسانُ ولكن بلا جدوي.. بلا حدثٍ هام يجعلُه يستشعِر حياتَه بينما هو يحياها.. فتُصبح الحياةُ مقضية علي أتم وجه، تجعلُنا في رحبٍ دائِم لفعل كل ما يُسعدنا.. 

تخيل معي أن عُمرك يُقاس بالضحكات!  فأسألُك كم عُمرَك فترد قائلاً : خمسة وسبعين ضحكة! 
وأسأل شخصاً آخر يقول لي : مائة ضحكة و ستين ابتسامة! 

تخيل معي أن عُمرك يُقاس بالمواقف السعيدة في حياتك.. فتحسب كم مرة عشت بها لحظة مليئة بالسعادة الغامرة التي جعلتك كالعُصفُور المحلق بلا قُيود بلا حدود.. 

تخيل معي قياس عُمرك باللحظات التي تقضيها مع رفيقِك المُفضل سواء كان أب، أخ، صديق أو حبيب.. فما أحلاها من لحظات .. فأسألُك كم عمرك؟  ترد قائلاً : مائة تسعة وتسعون لحظة مع من أحببت، أليس مقياساً جميلاً؟  أليس مقياساً مُعبِرًا؟ فأكثر الناس تتمني لحظة واحدة بجوار من أحببوا.. ولكن الحياة تبخل عليهم بها. 

علي الصعيد الآخر... 

كما تعلم أن الذكريات الموحشة تُفتِت في قلب الإنسان حتي تجعلُه حطاماً شيئاً ف شيئاً، فيصبح أقصي طموحه أن يعيش بلا ذكريات.. بلا رُفاتاً باليًا يَرُد قلبَه إلي نقطة الصفر كلما تظاهر بالقوة ! 

تخيل مَعي عُمرَك يُقاس بالمرات التي خذلَك فيها من تُحب؟ فتسألُني كم عمري، لأُعاوِد قائلة : مائة ألف مرة خُذلت فيها.. ثم من بعدها لم يتوقَف الخِذلان ولكني توقفت عن العَد!  

تخيل مَعي عُمرَك يُقاس بمقدار الدموع التي زرفتها حُزنًا علي شيء تركَك ولم تترُكه !! 
قاسية تلك، أليست كذلك ؟ 
فتسألُني يا رنا كم تظنين عمرك يبلُغ؟  فأقول لك لا أدري.. منذ وَلدتني أُمي وأنا أبكي.. وكَبرتُ لأُصبح شابةً ومازِلتُ أبكي.. كيف نُحَوِلُ تسعة عشر عامًا بمقدار الدموع.. أظنه تقريبيًا يبلغ المليار دمعة.. بل أكثر وأكثر حتي يجِف الدمع كله.. 

تخيل مَعي عُمرَك يُقاس بمقدار الأحلام التي وَلَّت مِنك مُدبرةً ! فأسألُك وتسألُني.. ونجيب بمقدار فرار أحلامنا؟ فحياتي حلم آتٍ وغيره راحل والحياة تدور وتتبدلُ الأدوار... 

يابُني العُمر ليس كيفما يقاس ولكنه كيفما يُعاش.. فكم من أُناسٍ عُمِّروا في الأرض ولكننا لم نعثر لهم علي بصمةٍ فعّالة، وهناك من هم عاشوا أياماً معدودات وفقدونا.. ولكننا لم نفقدهم.. 
وهناك من صحبناهم سنواتٍ وسنواتٍ.. ثم ألقوا كلماتِنا وجهودَنا هباءاً .. العُمر كيفَما يُعاش.. فاختر طريقاً يَرضِي خالقك ويُسعده ويُسعدك آثره حيثُ اللقاء العظيم.. "عن عُمرِه فيما أفناه" !
#رنا_هشام 





هناك 4 تعليقات:

مقبرة الأحلام..

 عزيزي.. أنتَ الذي لا أعرف لك اسمًا ولا أعلم لك صفةً أُناديك بها، لذّا فأنت عزيزي فحسْب. صاحب العمرِ المقبل، ورفيق الدرب الطويل. عساك بخيرٍ ...