تمر هذه اللحظة علّي مرارًا وتكرارًا، كل يوم تقريبًا، وأحيانًا أشعر بها مرات عدّة في اليوم ذاته. بينما أُحاول أن أكون نسخة أفضل مما أنا عليه -وظيفيًا- وأُحاول أن أتعلم قليلًا مما أجهله يومًا بعد يوم. أجد أن هذا الجهد يضيعُ هباءً؛ عندما أقف متعثرةً في شيء ما ولا أستطيع أن أفعله بسهولة، وربما قد أتعرض لبعض التهكم لأنني لا أعرف كيف أفعل هذا، رُغم أنني لست بالشخص المجادل غير المعترف بالخطأ، سهلة الإقناع واتقبل الرأي الآخر بسهولة وطلاقة. لكنني لا أنجو من اليأسِ كل مرة أشعر أنني قد استنفدْتُ كلَ الحيلِ ولم أصل لشيء مرجو. وأسأل نفسي كل يومٍ هل عّلي أن اختار مجالًا وظيفيًا أقل تعقيدًا حتى أنجح في أن أقول للعالمِ أني لست إنسانًا غبيًا، أم أنها مسألة وقت سيمضي وسأصل إلى منطقة مُرْضية أكثر وأستطيع أن أنفض غبار اليأس عن كتفي. أكتُب هذا ولا أريد حلًا، أكتب فقط لأوثق لحظات اليأس هذه، لربما يأتي من بعدها لحظات الفرج ونقول: هل ترى أين كنا وأين أصبحنا؟ ولنهدم بثقة أفكار اليأس التي تُشكك في آثار الجهد، وتقول أنك فعلت كما لم تفعل، كلاهما سواء. الحقيقة أن العمل مدخرٌ في مكانٍ ما؛ لا نعلم ماهيته، لكننا نثق أن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فهل تظنه لم يراك حين حاربت يأسك؟
ربما يكون شيئًا غريبًا أن أجمع بين طلاقتي في الكتابة وبين تعثري في دراستي ولكنني أحاول أن أصنع خليطًا من الذات، خليطًا من الكلمات يعبر عني، تقرأه وتشعر بأنكَ أنا، حتى ولو لم أخبرك بأنه نصًا لي. حتمًا ستشعر بأنفاسي بين ثنايا الكلمات. وستتيقن من أني أحاول حتى في إيصال ما أشعر به ولكن نفسي تمنعني وتحبس عني الكلمات. وأغلبها مرةً وتغلبني مرة أخرى. أكتب مرةً وأمتنعُ مرارًا كثيرة. حتى رأيت عنوانًا يقول (اكتب عن آخر لحظات ضعفٍ مررت بها في خمسمائة كلمة) فشعرت أن هذه هي فرصتي الذهبية في أن أُفرِغ ما أشعر به. كثيرًا ما تمر علينا -جميعًا- لحظات ضعف بمختلف شكلها وطريقتها، لكنني مررت بكثير من اللحظات اللي شعرت بالإشفاق على نفسي مما أراه من الآخرين، ومما يقولونه ويتصرفونه على أساسه. وكأن الكون يُدار بشكل عبثي أو كأنهم يعبدون البطاطا المشوية، ولا يعبثون لوجود إله في هذا الكونِ؛ سأذهب إليه لأشتكي، وأبكي، وأقول أنني لم أعد احتمل هذه الحياة، بكل ما أراه فيها ومنها.
منذ شهورٍ عدة، تحديدًا في الفصل الدراسي الآخير من الجامعة، عندما كنتُ أتعرض لمضايقاتٍ كثيرة من بعض القائمين على الإشراف لأسباب تافهة، أو بدون أسباب تُقال من الأساس، هناك تعلمت أن الأخطاء لا تغتفر، وأن أي كائن على وجه الأرض كان -في نظرهم- يعرِف أكثر مما أعرف، ويفهم أكثر مما أفهم، ويستطيع أن يصنع مشروعًا أفضل مما سأفعل أنا. رغم أنني غير مهتمة بفكرة المقارنة؛ لكنها حياة مستحيلة أن يعيش الإنسان وهو يتلقى الضربات كل يومٍ بلا رحمة. ولإنسان حساس مثلي، يحمل من المشاعر ما يغطي العالم ويفيض؛ كان هذا النهج في التعامل من أبشع ما يكون، وكان يتملكني البكاء كلما تعرضت لشيء أبغضه بلا هدف. كنت أشعر أن الإنسان أضعف من المواجهة، وأقل شجاعةً من الاعتراض؛ لذلك كنتُ أنفض الفكرة وأواجه وأعترض، ولا أخاف. ما أسوأ شيء في مقدوره أن يحدث؟ سيُعاقب إنسانٌ لأنه يعترض لينال حقه كإنسان في معاملة آدمية؟ حتى وإن كان، ستكون أفضل وأشرف طريقة عقاب ينالها شخص في سبيل آدميته.
رغم أن هذا قد مرّ بما فيه من حُلو ومُر. لأن الشعور لا يزال باقي في داخلي، يتجدد كل مرة أشعر أنني لا أعرف كيف أعبر عنا بداخلي، وكيف أقول أنني أمقت هذه الطريقة في تحقير ما يصل إليه الإنسان ولو بشكل بطيء. وأكره كيف يتعامل الناس وكأن كل شيء قد عرفوه منذ نعومة أظافرهم.
أكره الحياة والناس والمحاولات البائسة اليائسة..
أكره كل شيءٍ يُفقِد الإنسان آدميته.
#رنا_هشام