``قصة قصيرة``
يا ليتني مِتُّ قبل هذا!
كعادة معدتي البلهاء؛ يعتصرني الجوع الشديد، يكاد يُغشى علّي، أشعر أنني علي وشك السقوط..
فمنذ أن رست السفينة علي شاطيء تلك الجزيرة وأنا لم أذق طعاماً قط، فالناس هُنا غريبو الأطوار لأقصى درجة، يهرولون وكأنه يوم القيامة، الجمي يجري ويلهث علي قوت يومه ولا يعبأ بمن هم حوله، فما يهمه هو نفسه وربما من يعولهم فقط؛ لذلك لم أجد لنفسي متسعاً أن اسأل أحدهم طعاماً أو شراباً يُعينُني لمسيرة أطول!
شعرتُ بدوار شديد فأتخذت من الجبلِ مجلساً لأستعيد اتزاني ولكّني اكتشفت أن معدتي ليست وحدها البلهاء بل رأسي أيضاً!
أخذت تلك البلهاء الأُخري تبعث أفكار شيطانية، تندمني علي قدومي لرحلة الاستكشاف تلك، ما كان يجب أن يدفعنا شغفنا المجنون إلي المخاطرة بأنفسنا في مكانٍ كذلك لمجرد حب الاستكشاف.. كان يجب أن أُحكِم عقلي قليلاً!
بعد مرور ساعات قليلة رُدَ إلّي وعيي بعدما أخذتني رحلة نعاس لا بأس بها، وقفتُ وقررتُ المسيرَ حتي أن يتضح لي طريقاً أسير فيه إلي المدينة نفسها لأبتاع طعاماً يسد فوهة معدتي التي لا تهدأ، وبالفعل نزلت من الجبلِ وسرتُ في طريق مهتديًا ببعض المارة..
حتي قابلتُ امرأة عجوز تمتلك ملامح عجيبة الشكلِ، لديها شعر أبيض مجعد، ترتدي طاقية بالية، مظهرها يبدو غريباً بعض الشيء، كانت جالسة علي باب منزلها ترتعش من برودة الجو الماطر، فوقفت عندها وتحدثتُ قائلاً :
يا سيدتي، إني غريب، لستُ من هنا، هل يمكنكِ أن تُرشديني إلي مكان أشتري منه طعاماً؟
رفعت السيدة وجهها لأعلى وظهر عليها علامات الامتعاض الشديد وفي داخلها تُحدِثُ نفسها..
ماهذا المجنون؟ لما أتي إلّي خصيصاً ليسألني؟
شعرت أنها تأخرت في الردِ علّي فأردفت قائلةً :
مرحباً بك يا ولدي، هُناك مطعم قريب، أسعاره زهيدة وطعامه لا بأس به.. يُسمى "ملتقى الأحبة"..
فاطمئننتُ في نفسي أن ما في جيبي من مالٍ سيكفي رحلتي هنا، ابتسمت بشدة وقلت:
أخبريني به يا سيدتي، عاجلاً عاجلاً، سأموت جوعاً...
ردت قائلةً : لا تتعجل يا ولدي، فقدرُك ستلقاه حتماً، لن يُعيقه عنكَ أحدٌ، فلِمَ العجلة؟
قلت لها : يا سيدتي، لم أذق طعاماً قط، وبدأت قوة قدماي تخور..
فردت قائلةً : إذًا، امش في هذا الطريق المستقيم، سيقابلك تقاطع، امش يميناً واستمر قليلاً وستصل إلى الملتقى، ولا، تتعجل قدركَ يا ولدي..
فقلتُ: حسناً يا سيدتي، جزاك الله الخير الوفير.
وذهبت حيثما وصفت لي السيدة العجوز، ولكني توجست في نفسي خيفة من ذلك الطريق، كان مظلماً، بارداً جداً وكأن البرودة تزداد كلما مشيتُ في أعماقه والضباب يُغطي السماء كلها رغم المطر المستمر، يالها من ظاهرة عجيبة!
رأيتُ المطعم وكأن رؤيته ازالت كل ما في خاطري من خيفة ودخلتُ وجلست علي أقرب منضدة من الباب، فلم تكن قدماي تساعدني علي السير خطوات أخرى..
انتظرتُ أن يأتيني أحدهم ليسألني ماذا سأطلب، وياليتني ما انتظرت، كان ما رأيته كالصاعقة على عقلي، أهذا حقاً أم أنني أهذي من الجوع؟
كان النادل مرتدياً الزي الرسمي للوظيفة وممسكًا بقائمة الطعام، ولكن الغريب كان في هيئته، فمنذ متي نرى نادلاً لديه قرون كالحيوانات؟ منذُ متي ونحن نرى نادلًا بشرته رمادية اللون؟ منذُ متى ونحن نسمعهم يتحدثون بالتصوير البطئ؟ منذُ متى ونحن نرى مطعماً يُديره كائنات غير بشرية؟
صُعقت حتي شعرتُ أن قدماي قد شُلَّت، تخبطت الأفكار في مخي وفقدتُ قدرتي علي الكلامِ، كان النازل يثرثر ويسألني ماذا سأطلب، ولكنني كنتُ في عالم أخر! ما عجبته أيضاً أنه كان مستنكرًا مما بدى علي وجهي من علامات الدهشة.. وكأن الأمر عادياً.. لماذا تتعاون جميعُ الظواهر أن تخرجني مختلاً؟ هل أنا مجنون حقاً؟ هل ما رأيته حقيقة أم خيال؟
عندما شعرت بقدرتي علي السير مجدداً لملمتُ شتات نفسي وفررت مهرولاً خارج المطعم ذلك، ماشياً في نفس الطريق الذي جئتُ منه، قاصداً السيدة العجوز، حتي وصلتَ إلي منزلها ووجدت بالباب مغلقاً مقيداً بالأصفاد ولا أحد يجلس أمام الباب.
صعقتُ للمرة الثانية، ماذا يحدث؟ أين ذهبَت؟ لماذا وجهتني إلي ذلك المطعم تحديداً؟ وما حقيقة كلامها العجيب بشأن ألا استعجل اقداري؟
جلستُ أمام منزلها أحدث نفسي ولا أجد إجابة، فكم من الأسئلة لا نجد لها جواباً! يا لحسرتنا علي حياتنا الضائعة في إيجاد الحلول الضائعة! ظللتُ أهزي هكذا حتي جاء إلّي رجلُ وسألني :
ماذا بك يا ولدي، ولماذا أنت جالسُ هنا؟
فقصصت عليه قصتي وما حدثَ لي، وكنتُ أحكي ودموع عيني تلاحقني، كنت خائفاً مضطرباً أسفاً على رحلتي التي دمرتها السيدة العجوز!
رد علّي الرجل وعلامات الحسرة تملأ وجهه قائلاً :
يا بني، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، السيدة العجوز التي كانت تسكن هُنا قد توفاها الله منذ سنوات عدة، عندما احترق منزلها ولم يلحقها أحد.. وأما المطعم، فكانت صاعقته أكبر، هذا المطعم كان مغلقاً للتجديدات بعدما أصابه اثار حريق نشبت منذ عامين واقتلعت ارواح العاملين جميعاً..
يا ولدي، كل من رأيتهم أموات.. الحريقُ يا ولدي اخذهم جميعاً منذ سنوات..
سمعتُ كلماته ووقعت علي نفسي كالصاعقة، لم أدري هل ألوم الحريقَ أم ألوم نفسي علي أوهامي..
يا ليتني لم أسلك ذلك الطريق، يا ليتني مِتُ قبل هذا..
تمت.
#رنا_هشام
عاش👏👏
ردحذفشكراً جداً ❤❤❤
حذفكويسه جدا
ردحذف❤️
حذفكويسة جدا
ردحذفشكراً لك
حذفقصه بلا هدف وغايه
ردحذفشكرًا جدًا لرأيك، وأتمنى أن تكتب لنا أنتَ ماهو مفعمٌ بالأهداف والغايات، ولا تكون كمن لا قيمة له سوى أن يستتر خلف الشاشات ويكتب تعليقًا لا هدف له زلا غاية تحت عنوان مجهول، فلتفصح عن اسمك حتى!
حذفلا أمانع التعليقات الناقدة ولكن أريد نقدًا بناءً ولكن الهراء الذي تكتبه لا يعنيني. :) 😀
عاش
ردحذفشكرًا جدًا والله 🤍🤩
حذف