رأيته يمشي ثم جلس وحده في مكان تُحيطه الأشجار من جميع الجهات، ووضع سماعتي الأذن وبدأ يسمع شيئًا ويبكي. يبكي بغزارة وكأن الدموع لا نهاية لها. شعرت وكأنه يبكي على كل شيء فاته ومضى. يبكي على الأشياء التي يتمناها ولا يلقاها. يبكي على حاضرٍ لا يملك شيئًا في تغييره. يبكي على أيامٍ يعيشها لا يشعر فيها بشيء سوى الخيبة واليأس. وكأن كل ما يبذله من جهد ليس كافيًا. وأن عليه أن يهبط توقعاته وأحلامه. وأن يرضى بالقليل، ويعيش متواريًا خلف الأسوار.. لا طموح ولا حياة.
وظل هكذا حتى جاءت قطة صغيرة قفذت على رجله وأمسكت بالسلك وجذبته حتى انقطع؛ وظهر الصوت جليًا للعامة، صوت مألوف جدًا.. إنه محمود درويش..
" سأصنع الفرص، والأحلام،
والأهداف، والأماني،
مازلت حيًا في مكانٍ ما،
وأعرف ما أريد،
سأكون يومًا..
ما أريد. "
فبادر على ذهني سؤالٌ: هل الدموع ستجعلنا نصل إلى ما نريد؟ أم أنها فقط كل ما نملك الآن؟ لأنني كنت أراقب المشهد من خلف شجرة وأنا أبكي أيضًا.. ربما كنت أصف ما يُبكيني أنا.
ولكن،
يومًا ما سنبكي لأننا -وأخيرًا- أصبحنا يومًا ما نريد يا صاح.
#رنا_هشام