وكعادتي وقفتُ صباحًا أمام ذلك الشيء المعلق على الحائط ليُخبرنا أي الأيام نعيش ونعافر، مذ نعومة أظافري وأنا أهوى مطالعة ذلك السطر المكتوب بنهاية كل ورقة، رُبما اعتبره رسالة خفية يحملها القدر لي، ببلاهة طفل أتعامل مع الحياة ولكن.. كَبِرتُ وكَبُرَت معي عادتي.. ولم يخطر ببالي يومًا أن تلك العادة ستؤرقني، أو ستدخل القلق إلى قلبي المستقر..
أمسكت بالورقة، وقرأ عقلي التاريخ، وبدأ يستوعب المسافة الزمنية مذ أن وطأ قلبي أرضًا لا يراكَ فيها، ولا حتى يصطدم بأي شيء يخصك.. عامًا مضى؟ كيف ذلك؟ عامًا كاملًا؟ كل تلك الشهور مضت بالفعل؟ كل تلك الأيام مرّت؟ بالله كيف مرّت؟ أشعرت ليلةً بيّ؟ أشعرت بنارِ قلبي؟ أم أنكَ هكذا؛ كما أعتدتُك؛ تأخذ كل شيء على محمل غير جاد، حتى أنا، فكنتُ سرابًا جميلًا احتّل قلبَك فترة..
رُبما لم أعد أنزعج منكَ، تقبلتُ فكرة الفقد، وأنه مهما تمسكنا، فسوف نفترق، رُبما لم تعد تؤرق ليلي أخبارُك، ولا عدتُ أُفكِرُ كيف تغدو وكيف تصبح، حتى اسمك لم يعدُ مميزًا كما كان، حتى يداي تلومني الآن.. لأنني أكتُب عنكَ، وعقلي يحدثني.. دقيقة نوم إضافية أفيدُ إليكِ من ذلك العبث.
مرور الأيام سريعةً تركَ في نفسي قوةً، أنني تلك التي قالت أن الحياة لن تمر، وأن أفضل مأوى هو الموت.. خير من التفكير في الفقد، ولكن الآن، ها هي الأيام تمر، والحياة تستمر، ويرزقنا الله الرضا، ويهون على قلوبنا، ويرشدنا الطريق.. ويُعلِمُنا كم كُنا مخطئين ونجانا...
رُبما تسأُلني أيزورُني الاشتياقُ؟
فيُصيبُ وجهي الوجومُ، وتتسع دائرتا عيني، بينما قلبي يرتجفُ وبشدة، ويتمتم بكلماتٍ لا يسمعها سواي...
"أشتاق أن أشعُرُ أنني غير قابل للمحوِ، وددت أن أشعر أنني ثابتٌ في قلبٍكَ فحسب، ولكنك جعلتني أشعر وكأنني غصنُ مزعزع تذروه الرياحٌ بمنتهى السهولة... ما فائدة أن أشتاقُ كثيرًا وتؤلمني ذكرياتي كثيرًا وفي النهاية نظل غرباء كما نحنُ؟"
وفجأة تقف التمتمة البلهاء ويعلو صوتي الرنّان... "كلا، لا يزورني أبدًا، لقد استُنفِدت طاقتي ولا شيء يعود كما كان، ربما ترك بعض الأشياءِ يكونُ أعظم نفعًا من التمسك بها على غير حقيقتها. فعسى ألا يزورنا الندم أبدًا، وأن نتذكر ونبتسم ونقول.. مرّت الحياة والأحبّاء غرباء ولم نَمُت.
#رنا_هشام.